بقلم – كوثر المقدمي،
ليست هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها ضربة قاسية لمدينة تطوان وساكنتها، لكنها تأتي هذه المرة أكثر إيلاما في سياق اقتصادي واجتماعي خانق.
أكثر من 200 عامل وعاملة مهددون بالطرد من شركة “Atento” الإسبانية، دون ضمانات حقيقية بالحصول على حقوقهم كاملة، ما يعني أن أزيد من 200 أسرة ستواجه مصيرا مجهولا، قد يحمل معه الفقر والتهميش وربما الانزلاق إلى مسارات أكثر قتامة.
لم تعد تطوان فقط مدينة ثقافية وسياحية، بل أصبحت رمزا لأزمة اقتصادية ممتدة، بدأت منذ سنوات بإغلاق مصانع النسيج وغيرها، واستُكملت بإقفال معبر باب سبتة، الذي كان بمثابة شريان اقتصادي حيوي يغذي آلاف الأسر عبر ما يسمى بالتهريب المعيشي.
وجاءت الضربة الأخيرة بتقليص مناصب الشغل في قطاع مراكز الاتصال، حيث كانت “Atento” تمثل طوق نجاة نسبيا لفئات واسعة من الشباب والشابات.
إن قرار تسريح العاملين بشركة “Atento” لا يعكس فقط أزمة داخلية في شركة، بل يعري واقعا بنيويا هشا يقوم على غياب بدائل اقتصادية حقيقية ومستدامة في المدينة. فكيف يعقل أن تترك مدينة بحجم تطوان، وطاقاتها البشرية الهائلة، رهينة قرارات شركات عابرة للحدود، دون أي تدخل فعال من الدولة لضمان حق الشغل والعيش الكريم لمواطنيها؟
أمام هذا النزيف المتواصل، تصبح الأسئلة مشروعة: أين النموذج التنموي الجديد من جهة طنجة-تطوان-الحسيمة؟ أين مخططات دعم الاستثمار وخلق فرص الشغل؟
أين دور الجماعات الترابية والجهات ومؤسسات الدولة في ضمان استقرار اقتصادي واجتماعي لمدينة تواجه شبح الانهيار؟ما يحدث اليوم في تطوان ليس فقط قضية حقوق عمال شركة “Atento”، بل هو جرس إنذار للجميع: للسلطات، للمنتخبين، وللمجتمع المدني. فإهمال هذه الأزمات المتراكمة وترك المدينة لمصيرها لن يمر دون تبعات.
لأن الفقر لا يقتل فقط الحلم، بل يفتح أبوابا على المجهول.لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لمدينة تطوان، عبر مخطط تنموي استعجالي يضع التشغيل في صلب أولوياته، ويعتمد على تقوية النسيج الاقتصادي المحلي، وتحفيز الاستثمار المنتج، وربط التعليم والتكوين المهني بحاجيات السوق. كما أن حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة وضمان شروط العمل اللائق، يجب أن يشكلا مدخلا أساسيا لأي مقاربة تنموية منصفة ونحن نخلد في فاتح ماي عيد العمال، فكيف يمكن أن يكون عيدا واحتفاء بالعمال والعاملات في ظل هكذا أوضاع؟؟
تطوان مدينة ضاربة في الجذور، بتاريخها وثقافتها ونبض أهلها، وصون كرامتها الاقتصادية والاجتماعية مسؤولية جماعية تقتضي الوعي والإنصاف قبل أي شيء آخر.